Saturday, October 13, 2018

الأمل في الشباب

بعد أحداث إطلاق النار الأخيرة في مدرسة بولاية فلوريدا الأمريكية، صدمني ردة فعل المسؤليين في الكونجرس الأمريكي. فبدل أن يشرعوا لقوانين تحمي الأطفال في المدارس وتمنعهم من القدرة على شراء الأسلحة حتى الأوتوماتيكية منها، بكل سخف وضعوا المشكلة على كل شيء عدا وفرة السلاح! فمنهم من قال المجرم سيحصل على السلاح بكل الأحوال، لماذا نضع تشريعاً للحد من بيع الأسلحة إذاً؟ حقاً! لماذا تقرفون العالم بأجهزة التفتيش في المطارات ولماذا تجرم حيازة المخدرات إذاً بما أن المجرم سيجد وسيلة دائماً!
وآخر على قنات فوكس نيوز اقترح أن يتم تسليح الأساتذة تسليحا ثقيلاً أو أن يتم نشر أفراد من الشرطة داخل المدارس، أعتقد أنه اختلط عليه ما هي المدرسة وما هو السجن! وغيرها من التراهات والإقتراحات التي بدا جلياً أن من يقف ورائها هم سياسيون قد تم شراؤهم بأموال من الأتحاد القومي للأسلحة (NRA). 
لكن في خضم هذا المنظر الكئيب المحزن من تصرفات السياسين الدمى، كان رد الطلاب (الجاهلين) على قدر عال من النضج والرشد. ففي خطبة مليئة بمشاعر الحزن ألقتها إحدى الطالبات إيمي غونزاليس جاء فيها: " السياسيون الذين يجلسون في مقاعدهم في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الممولين من قبل الأتحاد القومي للأسلحة يقولون لنا أن لا شيئ كان يمكن القيام به لمنع هذا الاعتداء، ونحن نقول هذا هراء (قذارة ثيران)، يقولون أن قوانين تنظيم بيع الأسلحة لن تخفض معدل جرائم السلاح ونحن نقول هراء، يقولون أن شخصاً جيد يحمل السلاح هو من يجب عليه إيقاف شخص شيء يحمل السلاح ونحن نقول هراء..." . وكذلك تكلم العديد من الطلبة معظمهم لم تتجاوز أعمارهم الـ 18 عاماً بكلام جميل وناضج ينم عن وعي عميق للمشكلة وأسبابها، فبدا السياسيون ذوي الشعور البيضاء التي كان يجب أن تضفي عليهم وقاراً، بدوا أقزاماً جاهلة، دمى متحركة بالمال السياسي.
لكن الأمل غد أفضل هو في هذا الشباب الواعي الذي وقف في وجه الفساد.
ونعود للشرق الأوسط...
أبو بكر 38، عمر 26، عثمان 34، علي 9،  أبو عبيدة 27، الزبير 16 و جعفر 18!
هذه الأعمار التقريبية لعدد من صحابة رسول الله عندما أعتنقوا الإسلام. هل لاحظت شيء؟
الإسلام كان ثورة الشباب على معتقدات الجيل القديم. لا أدري لماذا يتم سرد قصص الإسلام لنا في الكتب والمسلسلات ليظهر الصحابة عجزة بشعور بيضاء! الإسلام منذ أول يوم هو دين الشباب، هم الذين رفعوا اللواء وضحوا وتعذبوا في سبيل التغير للأفضل، لقد كان الأسلام الربيع العربي الأول.
من المؤسف أن تكون شاباً في الوطن العربي، فكلما أردت أن تتكلم في السياسة أو حتى في عادات وتقاليد المجتمع تقابل بهجوم شرس من العجائز ذوي الشعور البيضاء، وكأنك ارتكبت جرماً، من أنت؟ طفل جاهل يتكلم بأمور أكبر من حجمه! بدري عليك، إكبر بعدها نسمعك! وكثير من قبيل هذه الكلمات، نشكر الله على مواقع الميديا الحديثة والمنصات التي تقر للشباب بحق الكلام. بالطبع نحن لا نعمم ولكن هذا الحال في غالبية البلدان.
خرج الشباب العربي للشارع فيما يعرف بالربيع العربي، هي ثورة على الأوضاع المتردية، على البطالة، على التمييز الطبقي والفساد، على حكومات مليئة بوزراء للشباب بحاجة لعصا يتوكؤوا عليها. من الطبيعي أن يحدث التغيير، فتلك القوانين والأنظمة ونمط العيش الذي وضع في بداية القرن العشريين لا ولن يصلح لهذا القرن. ثورة الطباعة التي جعلت الأناجيل متوفرة لدى عامة الشعب في آوروبا تبعتها ثورة دينية كانت السبب في الحروب في القرون الوسطى. الآلة البخارية ومن ثم اكتشاف الكهرباء تبعهما ثورة صناعية كانت السبب في الحربين العالميتين في القرن الماضي. وها نحن أمام ثورة تكنولوجية واجتماعية وحتى دينية بكل معنى الكلمة، ولكن تلك الرؤوس التي ترعرعت على النظام القديم، ذي وتيرة التغيير البطيء والبيروقراطي المعقد تقوام هذه الثورات الجديدة، تريد أن يعيش الشباب كما عاش الأجداد قبل مئة عام، والبعض يحن لما هو أقدم فيطالب الشباب أن يعيشوا كما لو أنهم في عهد الصحابة قبل ما يزيد على الألف عام!
عفواً! أنظر لما سبق ذكره عن عمر الصحابة. 
بالطبع لا نستثني دور المجمتمع باختلاف الأعمار، لكننا نذكر بالقوة الدافعة للتغيير، فالحمل الأثقل على كاهل الشباب.
باختصار، لن تنفع هذه المحاولات البائسة لوقف التغيير، هذه سنة الحياة! التغيير قادم شاء من شاء وأبى من أبى. نحن جيل اللحظة وجيل المستقبل، قد نضطر للتضحية كثيراً في سبيل التغيير المنشود، ولكن اعلموا أن النصر لنا. 
وأختم بكلمات الشاعر اللبناني الأخطل الصغير: نحن الشباب لنا الغد .... ومجده المخلد، لنا العراق والشآم .... ومصر والبيت الحرام، نمشي على الموت الزؤام ....الى الأمام الى الأمام، نبني ولا نتكل .... نفنى ولا ننخذل، لنا يد والعمل .... لنا الغد والأمل، نحن الشباب.

No comments: