Saturday, October 13, 2018

هل وصل العالم لطريق مسدود أمام حل مشكلة البطالة

حروب وثورات... وإعادة تقسيم للثروات!

على ما يبدو أن هذه المعادلة البسيطة كانت دائما الحل لمشكلة البطالة في دول الشرق والغرب، فكان الفقر بين معظم العوام وغنى طبقة الأرستقراطيين سبباً في اندلاع الثورة الفرنسية 1789، وتلاها ما تلاها من ثورات على الأنظمة الملكية في آوروبا. بعد الثورة عادة كانت تصادر أموال الطبقة الحاكمة القديمة لتعطى لقادة الثورة، فيستفيد القليل المقرب من القيادات، وينتج حل مؤقت لمشكلة الفقر والبطالة بسبب حركة الإعمار المؤقتة لإصلاح ما تم حرقه وتدميره خلال الثورة. وما هي إلا بضعة سنين، وإذا بالوضع يعود لما كان عليه قبل الثورة، طورابير من الآف الرجال والنساء بلا عمل ولا مصدر دخل، وطبقة حاكمة تنعم ببعض الرخاء! حرب على دول الجوار أو ما وراء البحار، لسرقة بعض الموارد، قد تنجح لكن ما هي إلا بضع سنين أخرى وتعود مشكلة البطالة والفقر! لماذا يا ترى؟
كثرت الفلسفات المادية التي حاولت إيجاد نظام مالي إداري عادل يحل مشكلة الفقر والبطالة، لعل أبرز مثالين هما النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي، فالأول يضع السلطة بيد أصحاب رؤوس الأموال من القطاع الخاص، والثاني يضع السلطة بيد أصحاب رؤوس الأموال من القطاع العام. ولعل التاريخ يكفي لبيان فشل كلا النظامين في حل المشكلة الأساسية ذاتها! فخلال حكم الشيوعية أو الإشتراكية كانت تؤمًّن الإحتياجات الأساسية للمواطن، لكن لم يكن هنالك رخاء وسعادة، وكان الحال أشبه براحة العبيد الذين يطعمهم سيدهم ما لم يخالفوا له رأياً. وكانت الثروة لا تزال تتركز في أعلى الهرم. أما في النظام الرأسمالي، ففي بعض الدول هنلك فعلاً تأمين لذات الإحتياجات الأساسية للشعوب، لكن الفرق هو أن رأس الهرم الذي تتجمع فيه الثروة هو فردي خاص وليس حكومي حزبي!
ولكن إن كان كلا النظامين فشل في حل المشكلة، فأي نظام سيحلها إذاً؟
قد يتشجع أحدهم من العالم الإسلامي بالقول أن الإسلام هو الحل! فلنتبع نظاماً إسلامياً! هنالك مشكلتان في هذا الطرح، الأولى هو عدم وجود نظام إسلامي إقتصادي عصري محدد بنقاط وجداول عمل وخطط طويلة الأمد تجتمع عليه الأمة. أما النقطة الثانية، هي... لنفترض للحظة أن خليفة من الخلفاء الراشدين عاد ليحكم الآن. فبعد الإحتفالات بعودته سيقف على بابه في اليوم التالي، مئات الآلاف من المهندسين، ومئات الآلاف من الأطباء والصيادلة، وكذلك الآلاف من حملة الماجستير والدكتوراة في شتى المجالات، وسيسألون الخليفة العادل أن يخلق لهم فرص عمل ويعوضهم عن الظلم الذي عاشوه في ظل حكم من قبله، فما عساه فاعل؟
هل تظن أنه وبطريقة سحرية، وبدعوة وابتهال، سينصف كل منهم ويخلق له فرصة عمل! كلا...
فالمشكلة ليست في من يحكم، المشكلة أكبر من ذلك، المشكلة مركبة من أمرين مترابطين كلاهما يزيد من الآخر. الأتمتة وعدد السكان.
هذا هو سبب تفشي البطالة في العالم، وهذا هو سبب فشل الحكومات في إيجاد الحلول. فقبل اختراع الآلات الأوتوماتيكية في بدايات الثورة الصناعية قبل قرنين، لم تكن هنالك بطالة حقيقية، أولاً ولعدم وجود الآلات التي تنتج السلع بالملايين وتحصد آلاف الهكتارات بأيام كان من 
الصعب إيجاد فائض غذائي لإطعام مليارات البشر، فتراوح عدد سكان الأرض عما يقل عن المليار نسمة لقرون طويلة.
جدول يبين الارتفاع الحاد في عدد السكان بعد الثورة الصناعية

وبما أن عدد السكان كان قليلاً فكانت فرص العمل أكبر، وكانت هنالك حاجة وقيمة لكل يد عاملة، أما بعد الثورة الصناعية والثورة التقنية في قرننا هذا، فإن توافر فائض غذائي سمح لعدد السكان أن يصل لما يقارب الثماني مليارات نسمة. هذا يعني أنه لو بقيت فرص العمل القديمة لكان هنالك أمام كل فرصة ثماني أشخاص يتنافسون عليها. ولكن المصيبة أن الأتمتة قد قضت حتى على فرص العمل تلك!
بالله عليك، ماذا تفعل دولة ذات موارد ومساحة محدودة بمئة ألف مهندس معماري مثلاً؟ ومئات الآلاف من حملة الشهادت العليا، فحتى لو فتحت مراكز الأبحاث وأقامت الشركات، لن تستطيع استيعاب ذلك العدد من الخريجين. ما كثر قلت قيمته، ومع ما يقارب الثماني مليار إنسان نرى ما نرى من انحطاط قيمة الفرد. قد تعارضني هنا، ولكن لنعمل اختبارأ بسيطاً، هل تستطيع أن تذكر لي أكبر عدد ممكن من علماء الفيزياء؟ إن كنت مثقفاً ستقول أينشتاين، نيوتن، أدسيون! أما إن كنت من أهل الاختصاص فستزيد بعض الأسماء مثل فارادي وتسلا وبلانك... لن تطول القائمة كثيراً ومن الصعوبة أن تصل لمئة أسم!
مئة... فقط! مئة عالم من مليارات البشر كانت كافية لإحدات ثورة علمية، أفراد كان لهم الأثر في مسيرة العلم. الآن هل تستطيع أن تذكر لي ولو عشرة أسماء لعلماء فيزياء منذ عام 1990؟ إن لم تكن من أصحاب الاختصاص فهذا صعب، ليس لأنه لا يوجد علماء فيزياء حديثين، على العكس تماماً، هو صعب لأنهم كثر. ومع الكثرة ذهبت القيمة، فمن السهل تذكر ما هو نادر متفرد في وجوده، وكم هو صعب ملاحظة ما يوجد منه ملايين النسخ.
نعود لمشكلة البطالة وحلها...
طالما بقي النطام العالمي القائم على الأتمتة وخطوط الإنتاج المتسلسل أو الكمي (mass production) لن يكون هنالك حل لمشكلة البطالة والفقر، وستتفاقم المشكلة بازدياد عدد السكان. ولهذا نجد بعض الحكومات قفزت للهجوم على المهاجرين باعتبارهم يسرقون الوظائف من أهل البلد، بالتأكيد كل مهاجر سيأخذ وظيفة مفترضة لمواطن، لكن ولو أعدت هذه الوظائف للمواطنين لن تحل المشكلة، لأنك لم تقضي على سببها الأساسي. وليس الحل على المستوى الفردي الهروب من بلدك لبلد آخر فالمشكلة عالمية.
إذا ما الحل؟
قد أبدوا سوداوياً هنا وحالماً هناك! لكن هما خياران اثنان الأول سهل والثاني صعب.
الخيار الأول: الحرب.
حرب عالمية شاملة تدمر الدول وتحصد مليارات الأرواح، ولا يكفي ذلك بل يجب أن تكون حرباً تعود بنا لما قبل الثورة الصناعية، أي لا تكنولوجيا ولا آلات، عمالة يدوية بدائية. سيناريو أشبة بأفلام الكوارث وأحدات القيامة الهوليوودية، حل كارثي! أو بالأحرى هو فشل في حل المشكلة يؤدي لانهيار عالمي شامل.
الخيار الثاني: دخل بلا عمل.
قد نصل لمرحلة من التقدم التقني والأتمتة التي تجعل لا حاجة للبشر في معظم مجالات الحياة، فالآلات الذكية تعمل أما البشر فيرتاحون في منازلهم ويحصلون على دخل مجاني مقابل لاشيء تقريباً، ربما هي فكرة مبالغ بها لكن هنالك بعض الدول بالفعل تعطي دخلاً أساسياً حتى للعاطلين عن العمل، ومع ازدياد التقدم العلمي من الممكن أن يصبح الدخل الأساسي عالمياً أو حقاً لجميع البشر! أو أن نكتفي بساعة عمل واحدة للفرد بدل الثماني ساعات، فنوفر فرص عمل تكفي للكل، مع مساحة كبيرة للرفاهية، حالة من اليوتوبيا في ظل التكنولوجيا كما في أفلام الخيال العلمي.
نتمنى أن يتحقق الحلم لا الكابوس.
هل هنالك حل آخر عدا ما ذكرت؟ أتمنى ذلك أيضاً، أرجوا أن لا نكون قد وصلنا لطريق مسدود أمام حل هذه المشكلة العالمية. 


No comments: