Saturday, October 13, 2018



تم بحمد الله إصدار كتابي الأول بعنوان:
لماذا؟ سبب الوجود ومعنى كل شيء

نبذة عن الكتاب:

من حقنا أن نتساءل، لماذا نحن هنا؟ هل هنالك خالق؟ ولماذا خلقنا؟ ولماذا نستمر بالحياة رغم الصعوبات؟ هل هنالك معنى لهذا الكون؟ أم أن كل شيء هو محض صدفة عمياء؟

هذا الكتاب هو محاولة لوضع منهجية منطقية سليمة للتفكّر في هذه الأسئلة بل وكل الأسئلة التي يمكن أن تطرح من أي كائن ذكي. حيث نستعرض أسلوب حياتنا كبشر، ونحاول فهم المعنى وراء تصرفاتنا. من ثم ننتقل لعرض أبرز النظريات الفلسفية والعلمية التي طرحت لمحاولة تفسير الكون من حولنا ودورنا فيه، نبين نقاط القوة والضعف، ونترك الحكم للقارئ بعدها ليختار أيها أكثر منطقية. ونطرح في النهاية بعض الإجابات الممكنة لتلك الأسئلة الكبرى.

نأمل أن تكون كلماتنا هذه فيها النفع للقارئ لإيجاد معنى للحياة خارج النمطية والروتينية الكونية، وأن تستحث لديه نزعة التفكير العلمي والشك حتى يصل إلى اليقين.

حاولت أن أجعل كلامي كالترياق، قليل لكن ذو نفع كبير.

متوفر عبر موقع جملون 

فاشلون حتى في الكذب

كم أفتقد هرتزل واجتماعاته السرية! كم أفتقد لورانس العرب وغيرترود بيل وطابور المستشرقين! وسايكس وبيكو أيضاً!
كل عاقل يعلم أن السياسيين يكذبون و يخططون بالخفاء ويقولون ما لا يفعلون بالضرورة. كان لهم بعض الهيبة والإحترام لدى عامة الناس، كانت كلماتهم منمقة ومختارة بعناية، نعم كانوا يكذبون لكن بذكاء، يرسلون الجواسيس والباحثين لمعرفة طبائع الشعوب ليختاروا بعدها الخطة الأمثل والخطاب الأكثر قبولاً وتصديقا لدى الجماهير. كان يطل رؤساء الوزراء وزعماء الدول بأبها حلة، يحسبون كل حركة وكل كلمة خوفاً من أن يظهروا بما لا يناسب مقامهم لدى العامّة. نعم كانوا أشرارأ ولكن على الأقل كانوا يتعبون أنفسهم لإرضاء الجماهير ولو ظاهرياً.
أما ومع بدء الألفية الجديدة فقد ظهر نوع جديد من السياسيين، ليس لهم من السياسة إلا المسمى، هم حمقى وجاهلون و ليس لهم احترام ولا هيبة، ولكن ما يغيظني حقا هو مقدار الغباء والفشل الذي يديرون به دولهم، فجورج بوش كان قمة جبل الجليد فقط، رجل مغيب عن الحقائق، لا يعلم التاريخ ولا الجغرافيا، لغته ركيكة ومستوى ذكائه تحت المتوسط. فجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبها ما بها من الأخطاء وعلامات الإستفهام عن دور الدولة العميقة، ثم تبعها بإعلان الحرب على العراق لسرقة الموارد وتغير خريطة الشرق الأوسط تحت غطاء منع أسلحة الدمار الشامل، وتمادى بعدها ليعلن إما أن تكون مع أمريكا أو تكون إرهابياً! والغريب أن بعض الدول ذات الماضي العريق بالمكر والدهاء السياسي كبريطانيا وفرنسا مثلاً، إنجرت وراء تلك التفاهات التي لا يصدقها أحد عاقل! وبدا سياسيوها وكأنهم تحت تأثير التنويم المغناطيسي، وربما تذكرون أغية "أطلق النار على الكلب" للمغني جورج مايكل التي تلخص حالة الغباء التي رافقت تلك المرحلة وهو يصور توني بلير رئيس وزراء بريطانيا في وقتها ككلب بوش.
تنفس العالم الصعداء بعد انتهاء حكم بوش وتأمل في أوباما خيراً، لم يتغير شيء سوا أسلوبه المنمق في الخطابة! أما عن إيجاد المبرر لقتل الأبرياء، فما كان هنالك خيار أسهل من صنع عدو وهمي، ومن ثم نفخه ليصبح فزاعة تبرر كل جرم، فكانت القاعدة في البداية ولكن بدأت الناس تتململ من عجز الحكومة عن القضاء عليها طوال هذه السنين، وبقدرة قادر! وبين ليلة وضحاها قتل زعيمها وزال خطرها! وما لبثوا أن جائوا بنسخة معدلة، أكثر إجراما وتخويفا للناس، فأطلت داعش، ربما انضم الكثير من الشباب العربي المقهور طوعاً لصفوفها، ولكن السر يكمن في القيادة، وجوقة الإعلاميين الذين يروون للناس القصة بما يناسب أهوائهم ومصالحهم، وبين عشية وضحاها أيضاً، سقطت الموصل وبدء التنظيم بالإنتشار، بل جعلوه عالميا! تفجيرات في قلب آوروبا! لكن المذهل حقا هو توقيت تلك التفجيرات، انتخابات هنا أو هناك، لا مشكلة تفجير بسيط لقلب الموازين، وداعش تتبنى! بطالة متفشية وقوانين ضد العمال، بسيطة! حادث دهس، وداعش تتبنى! كتالونيا تريد التصويت للاستقلال عن اسبانيا، ياللعجب! لقد حان موعد الجهاد إذا، حادس دهس آخر! وداعش تتبنى أيضاً! ربما من الأفضل أن يغير التنظيم اسمه لأنجيلينا جولي!
 وفجأةً...لا شيء! لسبب ما توقف التفجير والدهس، لكن لا زالت روسيا في سوريا! وإسرائيل تقصف سيناء! لا أدري كيف لجيوش تنفق الترليونات على أحدث الأسلحة أن تفشل أمام عشرات البيك أب ترك من تويوتا! تباً للدبابات وال إف 35، فلنشتري تويوتا قاهرة الجيوش!
وكذلك أختفت إنفلونزا الطيور! وأختفت الطائرتان الماليزيتان! واختفت الإيبولا! واختفت أدلة استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا! واختفت كرامة الإنسان!
واستمر الإنحدار في نوعية السياسين حول العالم، فصور النائبين النائمين خلال الجلسات أتت من كل بلد تقريباً، وآخرون يأكلون التسالي، وآخرون يقامرون أو يتصفحون المواقع الإباحية. كانت الرشوة في الماضي سرأ من أسفل الطاولة، لكنها أصبحت علنية أمام الملأ، فكم من قانون مر في مجالس الشيوخ حول العالم بناءً على طلب أصحاب رأس المال وتجار السلاح! واستمر الإنحدار...
فلم يكن فوز المهرج ترامب مفاجئ! لندخل بعدها مرحلة جديدة تعدت الغباء السياسي إلى مرحلة الوقاحة السلطوية. نعم لقد ماتت السياسة وما نراه لا يعدو كونه حكم سلطوي دكتاتوري النزعة، لا يحترم البشر ولا يحترم عقول الجماهير، تماماً كما حدث بعد بيان كذب فرعون أمام الحجج التي أتى بها نبي الله موسى عليه السلام، ففشلت سياسة الكذب والمماطلة وتزييف الحقائق، ليستبدلها بالغطرسة والوقاحة، فقال فرعون "لا أريكم إلا ما أرى" وتمادى فقال "أنا ربكم الأعلى". لقد عدنا بعد آلاف السنسن لذات النقطة، لكن هذه المرة ليس بفرعون واحد، بل مئات الفراعين!
وما يدعوني للعجب هو صمت تلك الجماهير التي تتلقا هذه النفايات صباح مساء، كذب مكشوف، واعترافات بالرذيلة والبغاء والعمالة للأعداء، تباً لمهرجي العصر، فعلاً صدق رسول الله حين قال « قَبْلَ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ ، يُصَدَّقُ فِيهِنَّ الكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهِنَّ الصَّادِقُ ، وَيَخُونُ فِيهِنَّ الأَمِينُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ ، وَيَنْطِقُ فِيهِنَّ الرُّوَيْبِضَةُ » قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : المَرْؤُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ .

الأمل في الشباب

بعد أحداث إطلاق النار الأخيرة في مدرسة بولاية فلوريدا الأمريكية، صدمني ردة فعل المسؤليين في الكونجرس الأمريكي. فبدل أن يشرعوا لقوانين تحمي الأطفال في المدارس وتمنعهم من القدرة على شراء الأسلحة حتى الأوتوماتيكية منها، بكل سخف وضعوا المشكلة على كل شيء عدا وفرة السلاح! فمنهم من قال المجرم سيحصل على السلاح بكل الأحوال، لماذا نضع تشريعاً للحد من بيع الأسلحة إذاً؟ حقاً! لماذا تقرفون العالم بأجهزة التفتيش في المطارات ولماذا تجرم حيازة المخدرات إذاً بما أن المجرم سيجد وسيلة دائماً!
وآخر على قنات فوكس نيوز اقترح أن يتم تسليح الأساتذة تسليحا ثقيلاً أو أن يتم نشر أفراد من الشرطة داخل المدارس، أعتقد أنه اختلط عليه ما هي المدرسة وما هو السجن! وغيرها من التراهات والإقتراحات التي بدا جلياً أن من يقف ورائها هم سياسيون قد تم شراؤهم بأموال من الأتحاد القومي للأسلحة (NRA). 
لكن في خضم هذا المنظر الكئيب المحزن من تصرفات السياسين الدمى، كان رد الطلاب (الجاهلين) على قدر عال من النضج والرشد. ففي خطبة مليئة بمشاعر الحزن ألقتها إحدى الطالبات إيمي غونزاليس جاء فيها: " السياسيون الذين يجلسون في مقاعدهم في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الممولين من قبل الأتحاد القومي للأسلحة يقولون لنا أن لا شيئ كان يمكن القيام به لمنع هذا الاعتداء، ونحن نقول هذا هراء (قذارة ثيران)، يقولون أن قوانين تنظيم بيع الأسلحة لن تخفض معدل جرائم السلاح ونحن نقول هراء، يقولون أن شخصاً جيد يحمل السلاح هو من يجب عليه إيقاف شخص شيء يحمل السلاح ونحن نقول هراء..." . وكذلك تكلم العديد من الطلبة معظمهم لم تتجاوز أعمارهم الـ 18 عاماً بكلام جميل وناضج ينم عن وعي عميق للمشكلة وأسبابها، فبدا السياسيون ذوي الشعور البيضاء التي كان يجب أن تضفي عليهم وقاراً، بدوا أقزاماً جاهلة، دمى متحركة بالمال السياسي.
لكن الأمل غد أفضل هو في هذا الشباب الواعي الذي وقف في وجه الفساد.
ونعود للشرق الأوسط...
أبو بكر 38، عمر 26، عثمان 34، علي 9،  أبو عبيدة 27، الزبير 16 و جعفر 18!
هذه الأعمار التقريبية لعدد من صحابة رسول الله عندما أعتنقوا الإسلام. هل لاحظت شيء؟
الإسلام كان ثورة الشباب على معتقدات الجيل القديم. لا أدري لماذا يتم سرد قصص الإسلام لنا في الكتب والمسلسلات ليظهر الصحابة عجزة بشعور بيضاء! الإسلام منذ أول يوم هو دين الشباب، هم الذين رفعوا اللواء وضحوا وتعذبوا في سبيل التغير للأفضل، لقد كان الأسلام الربيع العربي الأول.
من المؤسف أن تكون شاباً في الوطن العربي، فكلما أردت أن تتكلم في السياسة أو حتى في عادات وتقاليد المجتمع تقابل بهجوم شرس من العجائز ذوي الشعور البيضاء، وكأنك ارتكبت جرماً، من أنت؟ طفل جاهل يتكلم بأمور أكبر من حجمه! بدري عليك، إكبر بعدها نسمعك! وكثير من قبيل هذه الكلمات، نشكر الله على مواقع الميديا الحديثة والمنصات التي تقر للشباب بحق الكلام. بالطبع نحن لا نعمم ولكن هذا الحال في غالبية البلدان.
خرج الشباب العربي للشارع فيما يعرف بالربيع العربي، هي ثورة على الأوضاع المتردية، على البطالة، على التمييز الطبقي والفساد، على حكومات مليئة بوزراء للشباب بحاجة لعصا يتوكؤوا عليها. من الطبيعي أن يحدث التغيير، فتلك القوانين والأنظمة ونمط العيش الذي وضع في بداية القرن العشريين لا ولن يصلح لهذا القرن. ثورة الطباعة التي جعلت الأناجيل متوفرة لدى عامة الشعب في آوروبا تبعتها ثورة دينية كانت السبب في الحروب في القرون الوسطى. الآلة البخارية ومن ثم اكتشاف الكهرباء تبعهما ثورة صناعية كانت السبب في الحربين العالميتين في القرن الماضي. وها نحن أمام ثورة تكنولوجية واجتماعية وحتى دينية بكل معنى الكلمة، ولكن تلك الرؤوس التي ترعرعت على النظام القديم، ذي وتيرة التغيير البطيء والبيروقراطي المعقد تقوام هذه الثورات الجديدة، تريد أن يعيش الشباب كما عاش الأجداد قبل مئة عام، والبعض يحن لما هو أقدم فيطالب الشباب أن يعيشوا كما لو أنهم في عهد الصحابة قبل ما يزيد على الألف عام!
عفواً! أنظر لما سبق ذكره عن عمر الصحابة. 
بالطبع لا نستثني دور المجمتمع باختلاف الأعمار، لكننا نذكر بالقوة الدافعة للتغيير، فالحمل الأثقل على كاهل الشباب.
باختصار، لن تنفع هذه المحاولات البائسة لوقف التغيير، هذه سنة الحياة! التغيير قادم شاء من شاء وأبى من أبى. نحن جيل اللحظة وجيل المستقبل، قد نضطر للتضحية كثيراً في سبيل التغيير المنشود، ولكن اعلموا أن النصر لنا. 
وأختم بكلمات الشاعر اللبناني الأخطل الصغير: نحن الشباب لنا الغد .... ومجده المخلد، لنا العراق والشآم .... ومصر والبيت الحرام، نمشي على الموت الزؤام ....الى الأمام الى الأمام، نبني ولا نتكل .... نفنى ولا ننخذل، لنا يد والعمل .... لنا الغد والأمل، نحن الشباب.

هل وصل العالم لطريق مسدود أمام حل مشكلة البطالة

حروب وثورات... وإعادة تقسيم للثروات!

على ما يبدو أن هذه المعادلة البسيطة كانت دائما الحل لمشكلة البطالة في دول الشرق والغرب، فكان الفقر بين معظم العوام وغنى طبقة الأرستقراطيين سبباً في اندلاع الثورة الفرنسية 1789، وتلاها ما تلاها من ثورات على الأنظمة الملكية في آوروبا. بعد الثورة عادة كانت تصادر أموال الطبقة الحاكمة القديمة لتعطى لقادة الثورة، فيستفيد القليل المقرب من القيادات، وينتج حل مؤقت لمشكلة الفقر والبطالة بسبب حركة الإعمار المؤقتة لإصلاح ما تم حرقه وتدميره خلال الثورة. وما هي إلا بضعة سنين، وإذا بالوضع يعود لما كان عليه قبل الثورة، طورابير من الآف الرجال والنساء بلا عمل ولا مصدر دخل، وطبقة حاكمة تنعم ببعض الرخاء! حرب على دول الجوار أو ما وراء البحار، لسرقة بعض الموارد، قد تنجح لكن ما هي إلا بضع سنين أخرى وتعود مشكلة البطالة والفقر! لماذا يا ترى؟
كثرت الفلسفات المادية التي حاولت إيجاد نظام مالي إداري عادل يحل مشكلة الفقر والبطالة، لعل أبرز مثالين هما النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي، فالأول يضع السلطة بيد أصحاب رؤوس الأموال من القطاع الخاص، والثاني يضع السلطة بيد أصحاب رؤوس الأموال من القطاع العام. ولعل التاريخ يكفي لبيان فشل كلا النظامين في حل المشكلة الأساسية ذاتها! فخلال حكم الشيوعية أو الإشتراكية كانت تؤمًّن الإحتياجات الأساسية للمواطن، لكن لم يكن هنالك رخاء وسعادة، وكان الحال أشبه براحة العبيد الذين يطعمهم سيدهم ما لم يخالفوا له رأياً. وكانت الثروة لا تزال تتركز في أعلى الهرم. أما في النظام الرأسمالي، ففي بعض الدول هنلك فعلاً تأمين لذات الإحتياجات الأساسية للشعوب، لكن الفرق هو أن رأس الهرم الذي تتجمع فيه الثروة هو فردي خاص وليس حكومي حزبي!
ولكن إن كان كلا النظامين فشل في حل المشكلة، فأي نظام سيحلها إذاً؟
قد يتشجع أحدهم من العالم الإسلامي بالقول أن الإسلام هو الحل! فلنتبع نظاماً إسلامياً! هنالك مشكلتان في هذا الطرح، الأولى هو عدم وجود نظام إسلامي إقتصادي عصري محدد بنقاط وجداول عمل وخطط طويلة الأمد تجتمع عليه الأمة. أما النقطة الثانية، هي... لنفترض للحظة أن خليفة من الخلفاء الراشدين عاد ليحكم الآن. فبعد الإحتفالات بعودته سيقف على بابه في اليوم التالي، مئات الآلاف من المهندسين، ومئات الآلاف من الأطباء والصيادلة، وكذلك الآلاف من حملة الماجستير والدكتوراة في شتى المجالات، وسيسألون الخليفة العادل أن يخلق لهم فرص عمل ويعوضهم عن الظلم الذي عاشوه في ظل حكم من قبله، فما عساه فاعل؟
هل تظن أنه وبطريقة سحرية، وبدعوة وابتهال، سينصف كل منهم ويخلق له فرصة عمل! كلا...
فالمشكلة ليست في من يحكم، المشكلة أكبر من ذلك، المشكلة مركبة من أمرين مترابطين كلاهما يزيد من الآخر. الأتمتة وعدد السكان.
هذا هو سبب تفشي البطالة في العالم، وهذا هو سبب فشل الحكومات في إيجاد الحلول. فقبل اختراع الآلات الأوتوماتيكية في بدايات الثورة الصناعية قبل قرنين، لم تكن هنالك بطالة حقيقية، أولاً ولعدم وجود الآلات التي تنتج السلع بالملايين وتحصد آلاف الهكتارات بأيام كان من 
الصعب إيجاد فائض غذائي لإطعام مليارات البشر، فتراوح عدد سكان الأرض عما يقل عن المليار نسمة لقرون طويلة.
جدول يبين الارتفاع الحاد في عدد السكان بعد الثورة الصناعية

وبما أن عدد السكان كان قليلاً فكانت فرص العمل أكبر، وكانت هنالك حاجة وقيمة لكل يد عاملة، أما بعد الثورة الصناعية والثورة التقنية في قرننا هذا، فإن توافر فائض غذائي سمح لعدد السكان أن يصل لما يقارب الثماني مليارات نسمة. هذا يعني أنه لو بقيت فرص العمل القديمة لكان هنالك أمام كل فرصة ثماني أشخاص يتنافسون عليها. ولكن المصيبة أن الأتمتة قد قضت حتى على فرص العمل تلك!
بالله عليك، ماذا تفعل دولة ذات موارد ومساحة محدودة بمئة ألف مهندس معماري مثلاً؟ ومئات الآلاف من حملة الشهادت العليا، فحتى لو فتحت مراكز الأبحاث وأقامت الشركات، لن تستطيع استيعاب ذلك العدد من الخريجين. ما كثر قلت قيمته، ومع ما يقارب الثماني مليار إنسان نرى ما نرى من انحطاط قيمة الفرد. قد تعارضني هنا، ولكن لنعمل اختبارأ بسيطاً، هل تستطيع أن تذكر لي أكبر عدد ممكن من علماء الفيزياء؟ إن كنت مثقفاً ستقول أينشتاين، نيوتن، أدسيون! أما إن كنت من أهل الاختصاص فستزيد بعض الأسماء مثل فارادي وتسلا وبلانك... لن تطول القائمة كثيراً ومن الصعوبة أن تصل لمئة أسم!
مئة... فقط! مئة عالم من مليارات البشر كانت كافية لإحدات ثورة علمية، أفراد كان لهم الأثر في مسيرة العلم. الآن هل تستطيع أن تذكر لي ولو عشرة أسماء لعلماء فيزياء منذ عام 1990؟ إن لم تكن من أصحاب الاختصاص فهذا صعب، ليس لأنه لا يوجد علماء فيزياء حديثين، على العكس تماماً، هو صعب لأنهم كثر. ومع الكثرة ذهبت القيمة، فمن السهل تذكر ما هو نادر متفرد في وجوده، وكم هو صعب ملاحظة ما يوجد منه ملايين النسخ.
نعود لمشكلة البطالة وحلها...
طالما بقي النطام العالمي القائم على الأتمتة وخطوط الإنتاج المتسلسل أو الكمي (mass production) لن يكون هنالك حل لمشكلة البطالة والفقر، وستتفاقم المشكلة بازدياد عدد السكان. ولهذا نجد بعض الحكومات قفزت للهجوم على المهاجرين باعتبارهم يسرقون الوظائف من أهل البلد، بالتأكيد كل مهاجر سيأخذ وظيفة مفترضة لمواطن، لكن ولو أعدت هذه الوظائف للمواطنين لن تحل المشكلة، لأنك لم تقضي على سببها الأساسي. وليس الحل على المستوى الفردي الهروب من بلدك لبلد آخر فالمشكلة عالمية.
إذا ما الحل؟
قد أبدوا سوداوياً هنا وحالماً هناك! لكن هما خياران اثنان الأول سهل والثاني صعب.
الخيار الأول: الحرب.
حرب عالمية شاملة تدمر الدول وتحصد مليارات الأرواح، ولا يكفي ذلك بل يجب أن تكون حرباً تعود بنا لما قبل الثورة الصناعية، أي لا تكنولوجيا ولا آلات، عمالة يدوية بدائية. سيناريو أشبة بأفلام الكوارث وأحدات القيامة الهوليوودية، حل كارثي! أو بالأحرى هو فشل في حل المشكلة يؤدي لانهيار عالمي شامل.
الخيار الثاني: دخل بلا عمل.
قد نصل لمرحلة من التقدم التقني والأتمتة التي تجعل لا حاجة للبشر في معظم مجالات الحياة، فالآلات الذكية تعمل أما البشر فيرتاحون في منازلهم ويحصلون على دخل مجاني مقابل لاشيء تقريباً، ربما هي فكرة مبالغ بها لكن هنالك بعض الدول بالفعل تعطي دخلاً أساسياً حتى للعاطلين عن العمل، ومع ازدياد التقدم العلمي من الممكن أن يصبح الدخل الأساسي عالمياً أو حقاً لجميع البشر! أو أن نكتفي بساعة عمل واحدة للفرد بدل الثماني ساعات، فنوفر فرص عمل تكفي للكل، مع مساحة كبيرة للرفاهية، حالة من اليوتوبيا في ظل التكنولوجيا كما في أفلام الخيال العلمي.
نتمنى أن يتحقق الحلم لا الكابوس.
هل هنالك حل آخر عدا ما ذكرت؟ أتمنى ذلك أيضاً، أرجوا أن لا نكون قد وصلنا لطريق مسدود أمام حل هذه المشكلة العالمية.